في روايتها "ساقطة هذا الزمان" تقتحم الروائية نورة عبد العزيز واحد من أضلاع الثالوث المحرم في المجتمع العربي والإسلامي وهو (البغاء) فتسلط الضوء على هذه الظاهرة عبر تنويع مختلف للاغتراب الجسدي والوجداني، تُجسده أنثى مختلفة، متمردة، تتعرض لتجارب قاسية في تعاملها مع النماذج الذكورية التي ابتدات معها كما العادة بالاغتصاب الجسدي الصادم وانتهت بالخسران.
- تعالج الروائية نورة عبد العزيز هذه الظاهرة من خلال حكاية "شجن" فترصد حياتها منذ الطفولة حتى تدهورها إلى مستنقع الرذيلة. وتكشف من خلال هذه الحكاية مسؤولية الأسرة والمجتمع والمؤسسات المختصة في مكافحة الأسباب الآيلة إلى ممارسة البغاء واجتراح المخرج المناسب؛ في ظل مجتمع ذكوري غير قادر على إدراك ما معنى أن يكون الكائن الإنساني امرأة.
- في تظهير الحكاية، سعت الروائية لانتاج شخصيات روائية حيّة قريبة من الواقع، ربما بغية التعبير عن مأساوية متحققة تجاه بنات جنسها، فشجن التي عاشت أسعد أيام طفولتها في المدرسة كطالبة متفوقة، وفي البيت الإبنة المدللة لأبيها حارس المدرسة، لم تمهلها الظروف لتعيش حياة طبيعية كمثيلاتها من الأطفال، فقد جاء ذلك اليوم الذي فقدت فيه أباها صغيرة. فلم تكن تتصوّر أن يموت والدها مقتولاً؟ عند هذه الواقعة غادرت شجن المدرسة وانتقلت مع أمها للعيش في حيّ آخر وعندما كبرت الفتاة أجبرت الأم ابنتها على ممارسة البغاء "وفجأة ظهر رجلٌ غريب ودخل الغرفة وخرجت الأم وأقفلت باب الغرفة بالمفتاح، متجاهلةً صرخات الاستغاثة من ابنتها الوحيدة. وبعد مُضي دقائق تضاءلت الصرخات حتى اختفت وطرق الرجل الباب مُنبّئاً عن انتهاء مهمّته، ففتحت الأم له الباب وخرج". ومن هذه النقطة تبدأ حياة شجن في طريق آخر بعدما صُدمت بوالدتها التي قالت لها: "صدّقيني يا ابنتي لن ينفعك أحد، لن ينفعك ويسعدك ويحقق أمانيك سوى المال، فالمال قوةٌ وسُلطة"، وفي نهاية الأمر استسلمت الفتاة الضعيفة لرغبات أمها، وتشربت صنعة الدعارة حتى أصبحت رائدة فيها تستقطب فتيات أخريات للمهنة من عدد من الدول العربية، ولكل واحدة منهن حكايتها المؤلمة فهن بالتأكيد ضحايا. وجدن في العمل مع شجن الحلّ المناسب لظروفهم البائسة بعدما فقدن الثقة بأنفسهن وبالرجال من حولهم. وهكذا استمرت شجن في طريقها الذي اختارته رغماً عنها يدعمها رجال المال والسلطة الذين وجدوا عندها وباقي الفتيات غايتهم..
- ولكن، وعلى الرغم من كل القسوة التي بدت عليها شجن التي مارست الرذيلة وتاجرت بها، وتعمدت الانتقام لنفسها والقتل! استمر في داخلها ذلك النداء الذي يدعوها لكي تتوب في كل مرة .. ولكن القدر لم يمهلها إذ تجرعت السمّ عينه الذي سقته لغيرها..
- تقول الروائية نورة عبد العزيز عن روايتها هذه: "في هذه الحياة قد يُجبرَّ البعض على سلوك طريق ما، طريق مشبوه يعبرونه رغماً عنهم، لا عن قناعة منهم أنه الأفضل، بل لأنهم لم يجدوا أمامهم سوى هذا الطريق المظلم فيستغلَّ الشيطان ضعف إيمانهم وقلّة حيلتهم؛ ليدفعهم ويُسقطهم من أعلى منحدر لا تتضح نهايته. فإن توفرت لك ظروف أفضل من ظروفهم: من وفرة مال. واستقرار عائلي، وتربية صالحة، ووطن آمن، وجسم سليم، وتعليم مجاني، واطمئنان نفسي.. فلا تعتقد أنك أفضل منهم فلو توفرت لهم ظروفك نفسها، لربما أصبحوا أفضل منك بكثير.